تنهد تنهيدة طويلة .. من يدرى فقد اقربت التنهيدة الأخيرة ..
نفض اعقاب سجارته فى المطفئة ..
ونظر الى النقطة او الرشفة الاخيرة من السيجارة متحسرا ..
وسط غيمة من الدخان ، وفى الظلام الدامس .. اخرج دفتره الذى قد بلى من الزمن ..
واخرج قلمه الذى حوى اخر قطرة من الحبر ..
وبدأ يكتب ...
لم يدر كيف يبدأ موضوعه .. او بأى عنوان يكتبه .. ولكنه امسك القلم وقال :
الى اخى القادم ..
انا 2007 ...
نعم انا تلك السنة .. البائسة ؟؟ ربما ..
اخذ يبحث فى عقله عن كلمات مناسبة ..
وليته وجد ..
اخذ يتطلع الى تلك الصور المعلقة على الحائط .. ويستعيد ذكرياته ..
ذكريات أيامنا ..
أكمل .. :
طرت الى مدن كثيرة .. بل لم يكن هناك بيت لم ادخله ..
ولكنى نسبت الابتسام !!
لا تتعجب اخى القادم ..
ولكن هذا حدث فعلا ..
فى مصر وحدها تعلمت البكاء ... والبكاء بحرقة .. تعلمت الحزن ...
كححح كححح كححح ... توقف دقيقة لينفث دخان سجائره .. وسعل ..
ثم اكمل :
صدقا اخى .. نسيته ..
اسوأ ما حدث لى عندما رأيت ذلك الطفل الذى اغرورقت عيناه من الدموع عندما عجز اباه عن شراء الطعام له لارتفاع الأسعار بشكل جنونى ..
واه من الدمعة التى ترقرت من عينى عندما رأيت اباه وهو الرجل قد دارى وجهه خلف سور من الأسوار ... يبكى ، لعجزه عن شراء طعام لأسرته ..
وظللت انتحب عندما رأيت طفلا بعمر الزهور .. يموت حرقا فى قسم للشرطة ... وانا عاجز عن مجرد اطفائه .. بل وقفت متفرجا من بعيد .. كل عملى انن ى كنت اراقب صرخاته .. وتوسلاته ..
تمزق قلبى عندما رأيت طفلا يعانق اباه بنظرات من وراء السور فى العيد .. لأن أباه قال كلمة حق ..ولم يوافق على الذل أو الظلم أوالفساد ...
اه .. اسف لأنى أطلت الحديث عن مصر ..
طرت الى دولة اخرى .. دولة فلسطين :
تألمت عندما رأيت الاشقاء وقد حملوا الأسلحة وحاربوا بعضهم البعض .. كنت اصرخ مع تلك المرأة التى اصيب ابنها وسط النزاع ..
كنت ابكى مع ذلك الرجل الذى فقد ابنته اثناء الحرب .. لا أدرى رأيت الرصاص من كل مكان وقد اخترق جسدي ..
طرت بسرعة الى دولة اخرى .. دولة الصومال ..
لا يمكننى وصف حزن غمرنى حين رأيت الطفل يموت امام أمه م الجوع .. وأمه لا تملك له من الأمر شيئا .. كانت تبكى بجنون ..
لا أدرى حتى انها فكرت فى قطع جزء من جسدها لتطعم طفلها ... بكيت و بكيت ..
طرت مسرعا الى لبنان ..
شعرت برجفة شديدة عندما سمعت صوت ذلك الانفجار المرعب .. كل ما استطيع قوله انه مرعب ..
ثم مشيت فى جنازة الميت ... ورأيت دموع المعزين والتى كانت دموع تصرخ من الارهاب ....
طرت الى صورة اخرى ... تبدو حديثة ..
اه باكستان .. اغتيال بى نظير بوتو .. كنت معها رأيتها وهى تتكلم بلا خوف ... لم أتفق معها فى ما قالته ... ولكنها قالت ..
ثم فوجئت بها وقد فارقت الحياة اثر رصاصة الغدر ... رسالة الموت ...
كنت هناك ... سمعت أنينا ... سمعت صراخا .. سمعت نحيبا ....
سمعت وسمعت وسمعت ....
أمسك بقلمه وأخذ يهزه بعصبية لأن الحبر بدأ ينفذ والكتابة بدأت تضعف ...
وضع سيجارته من يده ... ونظر بحزن ... نظر باشفاق .. تمن لو انه لم يولد قط ....
اخذ يبكى !!! يبكى ؟؟
نعم يبكى ..
وطار بعيدا فى رحلته الأخيرة ...
ونظر الى منزل ليرى طفل يحتفل بعيد ميلاده فهرول اليه وتأمل ضحكاته ... وأخذ ينطفئ بطيئا مع الشمعة وهو يراقب تلك الضحكات وكأنها أسعد ما حدث له فى حياته ... خفت ضوء الشمعة وتنهد العام تنهيدته الأخيرة ... وبكل هدوء أعلن انسحابه بعيدا بلا رجعة مع ذلك الضوء ..... آملا أن تنتهى هذه المأساة ...
أخى القادم .. كلما مر عليك ليل .. انصت جيدا .. عللك تسمع النداء .. نداء العام المنكسر ....